الحديث عن دور الإيرانيين في حراك الظهور الشريف يكتسب أهمية استثنائية وهو ذات الحديث عن راية الهدى الخراسانية والسيد الخراساني الذي يمثل القيادة العليا ورأس الهرم في حكومة إيران الإسلامية الممهِّدة للظهور الشريف
يُشار الى الخراساني في الموروث الروائي بأنّه (الهاشميّ) أي من بني هاشم، وفي روايات العامّة بأنّه (الحسينيّ)، وأنّ في يده اليمنى خالٌ أي علامة أو أثر، يخرج من إيران الإسلام، وهو قائد الراية في إيران ما قبل الظهور الشريف،وأنَّ رايته راية هدى،وأنّه قائد الدولة الموطّئة والممهّدة للمهديّ سلطانه، وأنّ قائد جيشه شعيب بن صالح ، ويكون فيهم بضعة من أصحاب القائم، وسيدخل العراق من ناحية سمرقند (قضاء بدرة في محافظة واسط) لصدّ جيش السفيانيّ اللّعين الذي يغزو الكوفة، ولعل الخراسانيّ هذا هو من بُشِّر به هو والسجستاني، كما ورد في رواية معروف بن خربوذ قال: ما دخلنا على أبي جعفر - عليه السلام - قطّ إلّا قال: خراسان خراسان، سجستان سجستان، كأنّه يبشِّرُنا بذلك)[١]، وأنّه أحد الرايات الثلاث التي ستكون له شأنيّة كبرى في المنطقة، وسيكون قوة إقليمية كبيرة مع اليماني والسفياني في مرحلة ما بعد الحرب العالمية (هرج الروم)، وهذه الرايات وُصفت بأنها ذو بأس شديد، والويل لمن وقف أمامهم وعاداهم وناواهم، وأنّه سيأمر جيشه بالذهاب للعراق على إثر اقتحام السفياني لبغداد لصدّ جيش السفياني، ثمّ يأمر بتغيير وجهة سيره الى الكوفة بعد غدر السفياني وسبقه إليها، وأنّه سيلتقي مع اليماني على مشارف الكوفة، ويتجهان معاً الى الكوفة التي سيهرب منها السفياني ويستمران بملاحقته الى أن يستأصلان وجوده في العراق، وأنّ رجال الخراساني شجعان أشداء لا يهابون الموت وقلوبهم كزبر الحديد وقتلاهم شهداء (تأكيد على صحّة انتسابهم العقائدي وحقّانيّة رايتهم، فلا تكون الشهادة في زمن الغَيبة إلّا تحت راية مرضية ضمن الشروط العامة التي حددها الإمام المعصوم عليه السلام لإدارة شأن التكليف في زمن الغيبة، ونعني بذلك المرجع الجامع للشرائط)
وأنّ دور أتباع الخراسانيّ في التمهيد المهدوي (عليه السلام) دور واسع وفعّال، ولهم قصب السبق والتضحيات، وتذكر الروايات أيضاً أن راياتهم لونها أسود، فعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة فإذا ظهر المهدي بُعِث إليه بالبيعة"[٣]، وروى عبد الله بن مسعود، قال: "بينا نحن عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ أقبلَ فتيةٌ من بني هاشم فلما رآهم النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ اغرورقت عيناه، وتغيّر لونه، قلتُ: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقال: إنّا أهلُ بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً حتّى يأتي قومٌ من قبل المشرق، معهم راياتٌ سود فيسألون الخير فلا يُعطَونه فيقاتلون فيُنصَرون، فيُعطَون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج"[٤]
وهنا عدّة نقاط:
أوّلاً: ما معنى الراية؟ يذكر الشيخ جلال الدين الصغير أنَّ الراية في اللُّغة تعني العَلَم، ولكنّها في المصطلح تُطلَق على التجمُّع الذي تجمعه فكرة ما، وفي العادة يُطلَق على التجمّعات التي تحمل السلاح، وتتوحّد على فكرةٍ ما يُرمَز لها هذا العَلَم أو ذاك، ويتولّى شأن هذا التجمّع قائداً لهم، ولو اقترنت لفظة الراية بالخروج أو بالقيام، فإنِّها عندئذ ستكون راية مسلّحة ـ على الأغلب ـ
ثانياً: راية الخراسانيّ: تعبِّر الراية أو العَلَم عن كينونة استقلال الدول، بما تختزنه من حيثيّة رمزيّة في كيانها، وفكراً تعكسه في معالم العلم الذي ترفعه رسميّاً فوق مؤسساتها الحكوميّة، ويحملها جيشها في سلمه وحربه، وتطول النقاشات في البرلمانات حول ألوان العلم الوطني أو راية الحرب أو شعار الحزب والجهة التي تحمل ذلك العَلَم، ولذلك كان من الطبيعي أن تكون مهمّة تفسير لون وكبر ومحتويات العلم بيد خبراء مختصّين، ومن هنا يبدأ الحديث عن راية الخراسانيّ التي ذكرت في الروايات الشريفة بأنها سوداء اللون، ومن المعلوم أنّ راية الجمهورية الإسلامية الإيرانية متعددة الألوان وليس من بينها اللّون الأسود! كمّا أنّه لا نلاحظ وجود رايات سوداء لقوات الحرس الثوريّ مثلًا، ممّا يجعلنا نتساءل عن فلسفة اتّخاذ السواد عَلماً لراية الخراسانيّ؟
إحدى الفرضيّات لدى الباحثين أن تكون الرايات سوداء حزناً على أبي عبد الله (ع)،
أو أنّ السواد المشار إليه في الروايات يكون علامة حزن على ما جرى من جرائم يرتكبها جيش السفيانيّ في الكوفة،على أنّ بعض الباحثين لا يقيّد السواد في الراية بعنوانها علامة دائمة لهذا الجيش،ولكنّه لون الراية التي تدخل العراق لغرض إنقاذه، ويمكن أن يتوافق الأمر مع الاحتمال الثاني، كما يمكن أن يلتقي مع الاحتمال الأول إن صادف الوضع الزماني أيّام محرَّم الحرام أو الأربعين، وأنّ الراية السوداء تكون أحد الرايات المرفوعة آنذاك، وليست راية حصرية، أو أنها حصرية بفريقٍ منهم، والله العالم.
والرايات السود الخراسانيّة هذه وُصفت بأنَّها (صغار) مما يعني أنّها قد تُرفع على السيارات، والمدرعات والآليّات الثقيلة،وتُقاتل هذه الرايات السفياني، وتؤدّي الطاعة للمهدي (عليه السلام)، ويكون قائدهم شُعيب بن صالح التميمي، وبالتالي أحد قوّاد المهدي ــ عليه السلام ــ (تخرج رايات سود صغار، تُقاتل رجلاً من آل أبي سفيان، يؤّدون الطاعة للمهدي (عليه السلام)، على مقدّمتهم رجل من بني تميم، يقتتل مع جيش السفياني، ثمَّ يهرب إلى بيت المقدس، ثمَّ يبايع المهدي ويكون من قوّاده)[٦]
ثالثاً: شعار الراية: نفهم من سِيَر التأريخ العباسيّ الأوّل أنّ قضيّة الخراسانيّ الممهّد للمهديّ لم تكن مجهولة عندهم، لذلك حاول بنو العباس التشبّه بمجريات ليكون المهدي منهم، وبالخصوص عندما كانت بداية ثورتهم من خراسان، وكان بنو العبّاس قد عرفوا أنّ الخراساني تكون رايته سوداء، فلذلك حمّلوا قادتهم الرايات السود زعماً منهم أن يكون هؤلاء الخراسانيّين هم الممهّدين للمهدي سلطانه، ولذلك هم حملوا شعار الثأر للحسين الشهيد ولزيد الشهيد(صلوات الله عليهم) قبل أن ينقلبوا على العلويّين، ممّا يعني أنّ رايات الخراساني السود أمر مفروغ منه بغض النظر عن العبّاسيّين السود، لأنّ راياتهم هي استنساخ ادّعائي وسرقة لرايات الخراسانيّ الموعود، وهي أيضاً تعبّر عن الحزن الموروث على سيّد الشهداء (ع) وبالخصوص فإنّا وجدنا أنّ الشعار الذي يرفعه أنصار الإمام هو: (يا لثارات الحسين)، فعلي بن عبد الحميد النيلي يروي بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام: (له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة، وراية لم تنشر مذ طويت، ورجال كأنّ قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الجمر، ولو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خرّبوها، كأنّهم على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الإمام يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحرب، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع من الأَمَة لسيّدها، كالمصباح كأنّ في قلوبهم القناديل، وهم من خشيته مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنون أنْ يقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله أمام الحق)[٦]، وطالقان هذه كما يشير إليها بعض الباحثين بأنها طالقان قزوين، وليس طالقان أفغانستان، وتوصيفهم بهذه الأوصاف العظيمة تشير ولا شكّ إلى هويتهم العقائدية، وهو أمر متحقق في طالقان الإيرانية، ويخالف أوضاع طالقان الأفغانية التي يعمّها الجو المخالف لأهل البيت عليهم السلام، ويراد بطالقان هنا عموم منطقتها وليس حاضرتها المدنية الصغيرة، ويمكن أن تشمل المنطقة الكائنة بين طهران وقزوين، وهذا الوصف مع أنّه لا يعمم على كل جيش الخراساني ولكنه يشير إلى نخبة في هذا الجيش كأن تكون فرقة عسكرية أو لواء عسكرياً من هذه المنطقة تمت تربيتهم بشكل خاص، ووصفوا بما وصفوا تغليباً لوضعهم على من سواهم.
اللهمّ عجّل لوليّك الفرج واجعلنا من أنصاره وخدّامه والمستشهدين بين يديه.
المصادر:
١- غيبة النعمانيّ: ٢٨٢
2-غيبة الشيخ الطوسي: ٤٥٢ ح٤٥٧
3- بحار الأنوار 52: ٨٧
4- غيبة النعماني: ٣١٠
5-سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان عجّل الله فرجه: ٩٦- ٩٧.
6-عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر (عليه السلام)، للشيخ الشافعي السليلي، من علماء القرن السابع،ص: ١١٦ - ١١٨