بعد حشد روسيا 175 الف جندي ومئات المعدات الثقيلة على حدود اوكرانيا.. هل اقترب موعد الهجوم؟ ولماذا لا نستبعد ان يشهد العام الجديد عودة تايوان للصين وشرق أوكرانيا للنفوذ الروسي؟
الأسئلة المطروحة بإلحاح هذه الأيام في أوساط الحكومات الأوروبية تبدأ أولا: بالبحث عن الموعد المحتمل للهجوم الروسي على أوكرانيا، وثانيا: المساعدة التي يمكن ان تقدمها الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا لاوروبا في حال اشتعال فتيل هذه الحرب، والصورة ثالثا: التي ستكون عليها أوكرانيا جغرافيا وسياسيا بعد انتهائها.
ربما تكون هذه الأسئلة افتراضية، ولكن تواتر الأنباء عن حشد روسيا حوالي 175 الف جندي، ومئات الآليات المدرعة على حدود أوكرانيا الشمالية، حسب تقرير لصحيفة “الواشنطن بوست”، صعّد من حدة القلق الأوروبي لدرجة ان المخابرات العسكرية الأوكرانية بات لديها قناعة راسخة بأن الهجوم الروسي قد يبدأ أواخر شهر كانون الثاني (يناير) المقبل.
الحشودات الروسية هذه جاءت ردا على “ازدحام” مياه البحر الأسود الذي يُعتبر “بحيرة روسية” بالسفن الحربية البريطانية والأمريكية، وهي الخطوة التي اثارت غضب الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا، لأنه يرى فيها تهديدا للأمن القومي الروسي وتحديا لبلاده.
القيادة الروسية تقول ان هذه القوات التي تتحدث عنها الصحافة الغربية، هي حشودات طبيعية وشرعية، وتتم داخل الأراضي الروسية، ولكن هناك تفسيرات أخرى تؤكد انها جاءت كورقة ضغط على أمريكا واوروبا قبل القمة التلفزيونية المتوقعة بين الرئيسين الروسي (بوتين) والامريكي بايدن، لمناقشة الوضع في أوكرانيا في غضون الأيام القليلة المقبلة.
الرئيس بايدن يسعى للتهدئة، لأنه وبعد هزيمة أفغانستان بات كل تركيزه منصب هذه الأيام على شرق آسيا، والتوتر المتصاعد فيها بسبب النوايا الصينية باستعادة تايوان الى حضن الدولة الأم، واحكام قبضة الصين على المنطقة، ولذلك كل ما يستطيع تقديمه بايدن لاوكرانيا، والدول الأوروبية الداعمة لها، هو التلويح بورقة العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، واذا كانت هذه العقوبات لم تردع ايران، فهل ستنجح في ردع روسيا الدولة العظمى؟
القادة الأوروبيون يخشون ان يتكرر سيناريو جنوب جورجيا في شرق أوكرانيا، أي إقامة كيانات، او دول جديدة خاضعة للنفوذ الروسي، ففي جنوب جورجيا اقامت روسيا دولتين، الأولى ابخازيا، والثانية اوستيتيا على أرضية وجود نسبة كبيرة من المواطنين الروس فيهما، ومن غير المستبعد في حال حدوث هجوم ان يتم فصل أجزاء كبيرة من شرق أوكرانيا للسبب نفسه، أي وجود نسبة كبيرة من السكان من أصول روسية هناك.
وما يرجح هذا السيناريو اقدام روسيا على استعادة شبه جزيرة القرم الى سيادتها قبل سبع سنوات وفصلها كليا على اوكرانيا كرد اولي على عزم حكومتها (أوكرانيا) الخروج من مظلة النفوذ الروسي، والانضمام الى الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” على غرار ما فعلته دول البلطيق.
الصحافة الروسية تحفل هذه الأيام بالمقالات الانتقادية التي تتحدث بإسهاب عن ازدواجية السياسات الأوروبية، في الملف الاوكراني، وتركز على ان المسؤولين الأوروبيين لا يتحدثون مطلقا عن التهديدات والمناورات الإسرائيلية لضرب ايران، بينما يبالغون في تضخيم اخطار الحشودات الروسية في الحدود الجنوبية.
الرهان الأوروبي ينصب حاليا على قمة بايدن بوتين الافتراضية التي لم يُحدد موعدها حتى الآن، لإيجاد حلول للازمة الاوكرانية، ولكن هذا الرهان قد يكون في غير مكانه لان القرار الروسي بالهجوم على أوكرانيا قد جرى اتخاذه فيما يبدو، وساعة الصفر قد تحددت ولم يبق غير التنفيذ، حسب آراء العديد من المراقبين المتخصصين في هذا الصراع، اللهم الا اذا قدم بايدن ضمانات بعد انضمام أوكرانيا لحلف “الناتو” وتوسع الحلف شرقا، وحتى هذا التنازل قد لا يكون كافيا لمنع الحرب.
العام المقبل ربما يشهد حدثين استراتيجيين مهمين، الأول عودة تايوان للصين، والثاني فصل شرق أوكرانيا عن غربها، وإقامة كيان روسي جديد فيها، الامر الذي سيضع حلف “الناتو” والغرب عموما، امام خيار التدخل عسكريا ضد الروس والصينيين معا، او على انفراد، او تجرع كأس السم والقبول بالهزيمة، والواقع الدولي الجديد.. والله اعلم.