لعل الكثير لا يعلم أنّ واحدة من أخطر الاختراقات التي قام بها الاستكبار العالميّ وفي مقدمته الثالوث المشؤوم
هي إعادة صياغة العقل الجمعي الشيعي بواسطة أدوات الحرب الناعمة.. السيّد محمّد صادق الهاشميّ، مدير مركز العراق للدراسات يسلّط الضوء على هذه المشكلة في مقاله.. فتعالوا معنا لنفهم القصة.
إعادة صياغة العقل الشيعيّ.
١١/أيلول/ ٢٠٢١
محمّد صادق الهاشميّ
مدير مركز العراق للدراسات
من أهم المواضيع التي تُطرَح في العالم وفي الموسّسات الراسخة والمخابراتيّة أيضاً،وحتى الاستعمارية والنهضوية كلّها تهتم بموضوع إعادة العقل وانتاجه وتوجيهه وتنقيته،أو تلويثه، والكلام والشواهد في هذا المجال تطول، ونكتفي بشواهد عصر التنوير وتأثيراته، وقبله الاستشراق،وبعده تأثيرات ثقافة الاحتلال، والغزو الفكريّ والثقافيّ، وتغيير اللّغة والمفردات والعادات والتقاليد والقيم والدين والملبس تحت شعار (العولمة) .
العقل الشيعي العراقي يقع مصداقاً لتلك الحقيقة؛ فهو منذ عام 2003 و إلى الآن يمرّ بغسيلٍ خطيرٍ، ونزعٍ لقيمٍ، وزرعِ أُخرى بديلًا، ومزيجاً من الإحباط والمتغيّرات التي تُظهِر العقل الشيعيّ أمام مصالحه بنحوٍ مشوَّش، ومشتَّت، فلا يكاد يتّفق على أيّ مفردةٍ، ولا يؤمن بأيّ مقولةٍ، بما فيها مقولة (المصالح السياسية العليا لشيعة العراق وثوابته)، فظهر الأمرُ جليّاً في علاقة الشيعي بمشروعه السياسيّ والفكريّ والعَقَديّ .
الأسبابُ كثيرةٌ، منها الإحباط، ومنها الإعلام المعادي، ومنها ثورة الفضاء المجازي والاحتلال الفكريّ، ومنها الفقر والجوع والتباين الطبقيّ، وضعف التبليغ الديني والإعلاميّ، وإهمال الجانب التربويّ والأخلاقيّ، لكنّ السبب الأكبر هو ما نريد الحديث عنه بشكلٍ مختصر مع الأمل أن لا يتّهمنا أحد بجلد الذات ونقد الجهات، بقدر ما يهمّنا الصالح والخير والاستنهاض وهو :
من هي الجهات المسؤولة عن تربية الأُمّة ؟.
هل المؤسّسات التعليمية؟.
أم الإعلامية؟.
أم المؤسّسات الثقافية؟.
أم الأحزاب ؟.
أم الحكومات؟.
أم الحوزات؟.
أعتقد توجد فراغات كبيرة، وتعارض وتقاذف وكلٌّ يحمِّل المسؤولية الى الطرف الآخر، ممّا جعل الأُمّة والجيل مهملًا، وهذا الأمر عرَّضَ (العقل الشيعي العراقي) إلى أزمة وإفقار وتلاعب وإحباط وقبول للانقلابات الفكرية والثقافية والسياسية، فظهرت العلمانية وغيرها، وسار الجيل الشيعي العراقي في مسار مغاير لثقافته بسبب قدرة الطرف الخارجي والظروف القاهرة على إعادة صياغة العقل الشيعيّ بنحوٍ جعله ((مرتبكاً ومتردّداً ومتمرّداً وقابلاً للفوضى واستقبال ثقافة الأغيار )) .
لا أُريد أن أُحدّد الجهة التي ينبغي أن تنهض بمهمّة التربية فإنّها مسؤوليّة الجميع،فالإنسان وثقافته مسؤوليّة مهمّة،وعلى الجميع النهوض فيها، ولا يكفي أن تتحدّث جهة باتهام الطرف الآخر فكلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته .
وفي البَين لا يمكن تربية الأُمّة بالحديث والكلام وحده مالم نكن دعاة عمليّين بأخلاقنا ونزاهتنا،ورقيّنا،وتواضعنا،واهتمامنا بالأجيال، من خلال قدرتنا الأخلاقية على ملامسة حاجات الأُمّة ومحنتها،وإنهاء سلوك الفوقية والاعتزال والجمود .
القرآن الكريم يصف دعوة النبي (ص) من خلال زهدة وتواضعه وصدقه بأنّها حركة مثمرة أدّت بالأُمّة أن يدخلوا في دين الله أفواجاً، بينما إهمال الأُمّة،واستعمالها وتعبيدها وإفقارها يؤدي العكس . انتهى .
_______