في حديث ملخص في ملتقى براثا الفكري لفضيلة الشيخ جلال الدين الصغير وهو يحذر المؤمنين من براثن الحرب الناعمة التي تستهدف مجتمع المنتظرين
القضية المهدويّة والحرب الناعمة المعادية
في جملة من الروايات يتحدث المعصوم (صلوات الله وسلامه عليه) عن طبيعة الانعكاسات التي تحصل إزاء قضية الصيحة الجبرائيلية وكيف أنّ صيحة من الشيطان او صيحة من الأرض كما تصفها الروايات تنطلق لتغطي على طبيعة ما يحصل من صيحة جبرائيل عليه السلام، صيحة جبرائيل لو انها تمت من دون منغّصات ومن دون تشويه ومن دون تضليل ومن دون تعمية يمكن لها ان تهدي كل البشرية ولكن ثمة جهدٍ معادٍ سوف ينطلق لكي يغطي على طبيعة الصورة البيضاء الناصعة التي صدرت من السماء وهي تُعلِم هذه البشرية بان امام الزمان صلوات الله وسلامه عليه قد ظهر وقد بدأت أيامه، في بعض هذه الروايات يُشار ايضاً الى ان النداءات التي تنطلق بعنوان أنّ إمامكم فلان في المقابل تصدر نداءات اخرى معاكسة تتحدث عن أنّ إمامكم هو عثمان من دون ان تشخصه هل هو المنهج الذي سار عليه عثمان بن عفان ام انه السفياني؟ باعتبار ان الاسم الذي يطلق على السفياني هو عثمان بن عنبسة، ولكن مهما يكن الاصل في مثل هذه القضايا أنّ جهداً إعلامياً وجهداً سياسياً سرعان ما سينطلق لكي يغطي على امامة الامام صلوات الله وسلامه عليه ويحد من القدرة المعنوية التي تأتي نتيجة لمثل هذه النداءات والصيحات، وفي الروايات يُشار ايضاً الى أنّ حدثاً ما يحصل فيرتفع من كل ذي صيصيةٍ صيصيته ويكون الكلام اكثر فتكاً بالناس من حد السيف، فاللسان وما ينطق به يكون له تأثير اكثر من تأثير السيف ناهيك عن حديث الرويبضة والحديث عن الاناس الذين لا خلاق لهم ولكنهم في موقع التصدي، وتصدي هؤلاء لن يتم بطريقة طبيعية وانما يتم من خلال ترويج كاذب ومن خلال اعلاء شأن من لا شأن له واعطائه القدرة التي من شانها ان تجعله يتكلم بكلام مؤثر او يدخل في عملية رسم مستقبل الناس والتحكم في حياتهم، من خلال هذه المعطيات يمكن لنا ان نستعير من روح هذه الروايات ان ما نراه اليوم من مصطلح الحرب الناعمة او من مصطلح حرب الذباب الالكتروني او ما الى ذلك ربما يتطابق بشكل كبير مع طبيعة ما تحدثت عن هذه الروايات، الحرب الناعمة كمصطلح هو مصطلح حديث غير ان اساليب هذا المصطلح او ما ينضوي تحته تم استخدامها بعصور متمادية ربما من خلال حديث معاوية بن ابي سفيان مع عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر حينما يقول لهم في ايام فتنة عثمان يقول باني تركت في الشام رجال لا يعرفون لعلي سابقة ولا لحمزة شهادة ولا لجعفر جناح اشارة الى عملية تضليل كبيرة جداً تم فيها اخفاء الحقائق وتم فيها ابراز الاكاذيب بعنوانها حقائق وابراز الباطل وتلبيسه باللباس الذي يبدو امام الاخرين بانه لباس ومنطق الحق، وقد رأينا في كثرة من الاحداث كيف ان الجمهور او بعضه يتفاجأ حينما يجد هذا الموقف الذي يتناقض مع طبيعة ما فهموه وما عرفوه، حينما نجد في ذلك الرجل الذي يأتي ليبارز امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في معركة صفين فيقال له بأن علياً يصلي قال سبحان الله وما شان الصلاة مع علي، او ما تحدث عنه المؤرخون من ان العباسيين حينما القوا القبض على امراء بني امية في اواخر ايامهم هؤلاء حلفوا بطلاق نسائهم وببراءتهم من دينهم وانهم لا يعرفون قرابة لمحمد صلوات الله وسلامه عليه واله الا بنو امية ولا يعرفون شيء اخر اسمه بني هاشم واستحقاقات هذه القرابة، او ما تحدث عنه عمر بن عبد العزيز في جملة من المصادر التاريخية ما يشير الى انه كان يُحدِّث عن ابيه عبد العزيز بن مروان بن الحكم كان يقول بان اباه كان خطيباً مفوهاً بالشكل الذي اذا ما خطب ينهدر منه الكلام كالسيل الا انه حينما يصل الى شتم علي صلوات الله وسلامه عليه وكان شتم الامير صلوات الله وسلامه عليه هو السياسة الواجب اتباعها من قبل بني امية في كل خطبة رسمية فيقول سالته مالي اراك كلما وصلت الى هذا الرجل يتلجلج بك اللسان على ما يذكر ابن الاثير في كامله يقول فالتفت لي وقال يا بني لو اننا قلنا ما نعرف من حق علي لما بقي من الناس معنا احد، بمعنى لو يعلم الناس حقيقة علي بن ابي طالب لذهبوا معه ولكن كما اشار الامير صلوات الله وسلامه عليه لو ان الحق خلص من تداخل الباطل معه سيحصل ان الناس لن تتجه الى الباطل وانما ستحاول ان تكون مع الحق ولو ان الباطل خلص كله لما ذهب معه احد ولكن الباطل زج نفسه في مواضع الحق، وفي مسيرة الصراع فان الباطل يحاول دوماً اخذ الموقع الذي يمثل الحق ويزين نفسه بانه هو الحق بالدرجة التي يبلغ الامر الى ان يكون مثل فرعون ينادي بالناس انا ربكم الاعلى ووضع نفسه في موضع الحق والبس على عقول الناس ما من شأنه ان يتم خداعهم.
الحرب الناعمة مصطلح حديث استفاد من التجارب السابقة ولعل من يرجع الى كتاب مطارحات ميكا فيلي فضلاً عن الامير ما يجد فيه الكثير من الملاحظات التي تندرج تحت اطار ما يسمى اليوم بالحرب الناعمة، الحرب الناعمة مصطلح حديث كما اشرنا يُراد منه السيطرة على الشعوب من دون استخدام قوة السلاح وانما تخوض حربك مع عقول الناس فتسيطر على هذه العقول
ثم من خلال السيطرة على العقول تسيطر على مقدراتهم وعلى ثرواتهم بالشكل الذي لم يكن هناك جندي واحد وانما هناك قلم ولسان وطبيعة الاعمال التي من شانها ان تُلبِسَ الحق بالباطل فتتصور الشعوب بان هذا العدو الذي يريد ان يأخذ مقدراتها ما هو الا صديق صدوق ومحب مخلص وان الذي يريد ان يدافع عن هذه الشعوب ما هو الا انسان وضيع عدو وما الى ذلك من هذه الاوصاف، والغرض ان الاعلام سيعمل على التأثير على الراي العام بالشكل الذي لن يُبقي لهذا الراي مجالاً في ان يتبصر بالحق او ان يهتدي الى الحق، الاساليب والوسائل متعددة في هذا المجال ولكن القدر المتيقن ان الناس سيُشوَّش على هداها بالشكل الذي قد تتلمس في الباطل انه هو الهدى وان الهدى قد ترى فيه هو الباطل والضلال بل هو الضلال المبين، في المعطيات الروائية نعتقد اننا نجد نماذج كثيرة وهي تتحدث عن هذا النوع، هذا النوع من الاساليب لن يمارسه ما يُصوِّر لك بانه عدو بل سيمارسه من يصور نفسه بانه هو الصديق الصدوق الحنون العطوف الذي يرأف بك لذلك حينما يقدم لك بدائل الافكار ويقدم لك الاساليب المموهة على الباطل انما يقدمه من باب حرصه وحنانه ورأفته بك من دون ان يفسح المجال لمن يقول ما هو سر هذا الحنان المُدَّعى وما هي حقيقته؟ ربما خلال الفترة القريبة كنّا قد تحدثنا عن طبيعة تاريخ امريكا مع العراق وما فعلته بشيعة العراق قبل سقوط الصنم وإذا بالتعليقات تأتي لتدافع عن نفس الامريكيين لان هؤلاء الامريكيون هم الذين أسقطوا الصنم، فهل هذه هي الحقيقة؟ وهل انهم فعلوا ذلك لأنهم كانوا يريدون فعلاً اسقاط الصنم قربة لعين العراقيين وحباً بهم؟ ام انها محاولة لمعاودة ركوب ظهر العراقيين وتوجيههم بالطريقة التي تُبقي مقدرات وارادة العراق خاضعة لهم ومسيّرة باتجاههم؟ هذا السؤال لا يُسمح لك من الناحية العملية بان تسأله لكثرة ما يُفاض على الناس من الافكار التي تقطع عنهم حبل التفكر والتدبر، عندئذ ستنهال الاكاذيب التي من شانها ان تصغر كبيراً او ان تكبّر صغيراً او ان تحجّم حقيقة او انها تخفي حقيقة او انها تُصدِّر كذباً بعنوانه هو الحقيقة، وعشرات الاساليب يمكن لمن يريد ان يرجع الى ما سبق ان اشرنا اليه من تقرير راند الامريكي وطبيعة توصيات خبراء مؤسسة راند حينما يوصون هؤلاء بجملة من الاساليب وهذه الاساليب تعتمد على اساس الخداع وعلى اساس تضليل الراي العام، ومن جملة التوصيات يقال لهم انه يجب الاستفادة من كل هفوة ومن كل خطأ تقع به القيادات الوطنية لكي يكبّر ويعظّم بالشكل الذي يُرى بانه تآمر على أبناء هذا الشعب، او انهم لو لم يكونوا ذوي هفوات او اخطاء يجب ان نصنع لهم اخطاء ويجب ان نروج لهم اخطاء حتى لو لم يكن لهم مثل هذا الخطأ ونعمم هذا الخطأ من خلال عملية التكرار المستمرة والتلقين للراي العام بطريقة لا يعرف هذا الراي بان هناك ملقناً او ان هناك من يريد منهم ان يقتنعوا بهذه الفكرة حتى وإن وجدوا هذه الفكرة بعيدة او غير ممكنة الحصول.
هنا الشواهد والمعطيات كثيرة جداً لكن ما يهمنا أخذ ما يجري في الساحة السياسية للنظر الى ان هؤلاء كيف سيتعاملون مع القضية المهدوية؟ ما يهمنا هنا هو الامام صلوات الله وسلامه عليه والمعطيات المترتبة على ايماننا بهذه القضية، عندئذ حينما نرى قضية واضحة على سبيل المثال قضية كقضية الحشد الشعبي حينما تمارس عملية الايثار والفدائية الكبيرة وحالة نكران الذات الكبيرة وحالة شجاعة وحالة الانتصار لهذا الوطن حينما تبتدئ عملية مضادة لتشويه صورة الحشد ماذا يعني ذلك؟ او ماذا يعني ان يتم اغماط منجزات هذا الحشد؟ او ان ينشأ جيل يبتدئ بالحديث ويقول اننا لا نريد مقاتلين ولا نريد سلاح وكفانا هذه الحروب والعنف، نعم نحن نريد ان نتخلص من العنف لكن هل عدوك تخلى عن هذا العنف وترك عقيدة القتل والاجرام حتى تقول باننا لا نريد ذلك؟ ام ان المطلوب هو ان توكل امر قدرات وقوة هذا الشعب وتتركها لأُناس لا امان لهم في الامساك بهذه القدرة والاعتماد على ارادات يمكن من خلالها ان تتم القوى الاستكبارية التي تريد ضُراً بهذا الشعب فتمسك بقدرات هذا البلد وبطريقة الامتنان بان هؤلاء يطلبون من هذه القوى ان تساعدهم وتعطف عليهم لإنقاذهم من الشر الذي تمثله مصادر القوة الحقيقية لهذا الشعب، نلاحظ هنا المقياس العجيب الذي نراه ما بين سبيلين كيف ان المرجعية العليا ادام الله ظل مراجعنا العظام كيف انها تصف الحشد بانهم مصادر الفخر ومصادر الكرامة في هذا الشعب في تعبيرها اننا لا نعرف غيركم مصدر عزة او افتخار في المقابل ننظر الى حديث الجهة الاخرى عن من وصفته المرجعية بانهم مصادر العزة والكرامة، نعم يمكن ان نقول هناك اخطاء ولكن يجري في مقابل هذه الاخطاء التي تمثل نزراً قليلاً من مساحة ما يعرب عنه هذا الحشد لكن تُعظَّم هذه الامور وتُكبَّر فيحاول الاعلام المعادي ان يصورها بانها هي الصورة الحقيقية، في مقابل الصور الحقيقية العظيمة الكبرى التي تأخذ بالألباب وتشد القلوب وقد اثرت بشكل كبير
حتى على الحواضن التي كانت تكره إقدام الحشد او اي اقبال لهذه الانفاس الطاهرة، لكن مع ذلك سياسة العداء وسياسة افراغ الشعب من مصادر قوته نراها دوماً هي الاصل الذي تتحرك به عشرات القنوات الفضائية ومئات الكتّاب وعشرات السياسيين والكثير من الصفحات التي تبث يومياً عشرات الالاف من شعاراتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي او مواقع الانترنت او ما الى ذلك من وسائل الميديا المعروفة في زماننا هذا، الشاهد الذي نريد ان نشير اليه هو كيف ان هؤلاء يحاولون مع الحقائق الثابتة التي لا يمكن لاحد ان يكذّب بها كيف انهم يحاولون ان يرسموا علامة استفهام ويحاولوا ان يشوشوا على عقول الجيل الذي رأى، اما الجيل الذي لم يرى عليه الا يرى ويجب ان يُحرم من هذه الرؤيا ويجب ان يقال له لم يجري في الازمان السابقة ما يمكن ان تهتم به، مثلما نلاحظ الان الاجيال الجديدة كيف تتعامل مع قضية صدام وكأنه سياسي مر في زمن وأُخذ منه حصته في السياسة واصبح لدينا سياسيون اعادوا نفس كرته وفعلته، مع ان ما فعله صدام لا يمكن ان يفعله احد ولكن هذه هي عملية ادارة العقول، المشكلة العظيمة هنا والتي تهدد الامم هي لا تجري على العراق فقط لكن نعتقد ان المؤامرة الجارية على العراق هي الاعظم والاشد من نوعها على مستوى العالم، الان لو نأخذ مثال بسيط جداً ابتداءً من ثقافة الشارع الى المقهى الى المنتديات والى وسائل التواصل كيف انه يتم العمل بشكل جاد على الازراء بشخصية العراقي وعلى الحط من قيمة الانسان والمجتمع العراقي وكيف تُفضّل كل الشعوب على هذا العراقي وكيف ان العراقي مهما يأتي ومهما يصنع يبقى متخلفاً قياساً الى الاخرين، ما هو هذا السر؟ ولماذا يعملون بهذه الطريقة؟ من يتصور بان هذا الامر هو امر ساذج وغير مقصود فهو مشتبه تماماً، فلا شك ولاريب ان من كان يراقب هذا الامر منذ أكثر من 10 سنوات وهو يتسلمه من خلال أساليب كثيرة من خلالها يتم الحط من شؤون العراقيين، تارة يكون هذا الامر بيد العراقيين انفسهم كما اعتدنا على ملاحظة الاستخفاف بأبناء المحافظات بالإشارة الى ان هؤلاء ابناء المحافظات وكأن لهذه المنطقة امتياز على غيرها من المناطق الأخرى، فضلاً عن بقية المصطلحات التي اعتدنا من السياسات التي تريد ان تفرِّق بين الشعوب اعتدنا على ان نسمعها منهم، نعم صدام عمل على هذه القضية لكن لا يزال هذا الامر يمثل اجندة فاعلة تتحرك يومياً واساليبها ايضاً متعددة وفي الكثير من الاحيان تقدم نماذج او تُفتعَل قضايا انه في الدولة الفلانية يتنقل المسؤول بواسطة نقل بسيطة دون حماية والمسؤول العراقي له الكثير من الحمايات وما الى ذلك، في حين لو كان استقرار تلك الدولة موجود في العراق لسارت الأمور بتلك البساطة، كذلك الاعتراض على جلوس المرجع في داره وامثال هذه المفردات هي بالألاف، لكن هم يوجدون تلك الظروف الصعبة ثم يحاسبوك على التصرف بتلك الطريقة فيجري الازراء بالطريقة التي من شأنها ان لا تترك احداً.
الكلام في مثل هذه القضايا يقع في أكثر من مستوى وما يهمنا في هذا المجال كيف ان هذه الحرب ستتعامل مع قضية الامام صلوات الله وسلامه عليه قبل وبعد حراكها المباشر؟ مع اننا نلمس في الروايات انتكاصاً في العاقبة عن الامام صلوات الله وسلامه عليه قبل الظهور فتتحدث الروايات عن حيرة كبيرة يقع فيها الانسان المؤمن نتيجة لغيبة الامام صلوات الله وسلامه عليه وهذه الحيرة ما كانت لتتأتى من دون وجود التشكيكات والتشبيهات ومحاولة التأثير على المُسَلَّمات العقائدية، اما التشكيك بكل القضية لعدم خروج الامام رغم وجود كل هذا الظلم والجور غير صحيح لان الامام اعرف واعلم بالمصلحة وبموعد خروجه، لذلك من الذي اوجد مثل هذه التداعيات في اذهان هؤلاء؟ لا شك ان واحدة من الامور التي ستعمل عليها مثل هذه الأجهزة التي تنظم الحرب الناعمة هي من سيكون لها التأثير الكبير الذي بسببه يقع الانسان في مثل هذه المجالات، وصولاً الى الحالة التي سنراها بعد ظهور الامام صلوات الله وسلامه عليه وكيف ان من كانوا يتحدثون بهذا الامر ويدافعون عن هذا الامر كيف بهم ان يتحولوا الى المسار الاخر المناقض الذي سيقولون من خلاله لإمام زمانهم صلوات الله وسلامه عليه حينما يصل اليهم ويجلس بينهم وحينما يرونه ويحسون به عندئذ سيقولون له ارجع يا بن فاطمة لا حاجة لنا بك، هذا المسار الخطر الذي نراه قبل الظهور ويتعاظم ايضاً بعد الظهور ما كان ليتم لولا وجود القابليات الفكرية والثقافية التي تعين مثل هذه الحروب التي تُشن على الشعوب ولولا وجود القابلية في الشعوب في ان تستورد من المستكبر ومن المترف ومن الجائر تستورد منه الأفكار والمواقف ما كنّا لنرى مثل هذه الحالات، ولكن مع وجود هذه العقلية التي لا ترى خيراً الا من خلال الاعتماد على فكر القوى المعادية حتى بلغ الامر الى ان كاتب من الكتّاب العراقيين الملاحدة من المانيا يكتب كتاباً في طبيعة الخلل الذي يراه في هذه الامة وهو يقول بان شيء اسمه الامة الإسلامية امر اصبح من
الماضي وعلينا ان نسدل الستار عليه والسبب حسب رايه لانهم لم يستنيروا من الفكر الاوروبي ومن الفلسفة الأوروبية ومن القيم الأوروبية وواحد من الاسباب الأساسية التي وضعها والمسببة للتخلف هو ان هؤلاء لم يأخذوا من الغرب مع انه يُفترض يمثل ثقافة اشتراكية تدعي بانها مضادة للغرب، ولكنهم في حقيقة الواقع لا يأخذون من احد مثلما يأخذون من الغربيين، الان ما يسمى بالإلحاد الجديد ما هي بضاعتهم؟ ومن هم مفكروهم ومن هم الذين يتحدثون بعنوانهم كُبّارهم الذين يقودونهم؟ تجد امثال ريتشارد دوكنز ولورنس كراوس وامثال هؤلاء من الملاحدة أصبحوا هم الائمة الذين يقودون الافكار ويوجهونها ويقودون هذه المجاميع التي لا تسال ولا يوجد لديها القدرة اصلاً على السؤال في ان هذا الذي يتحدثون به هل هو علم ام انه ادعاءُ علمٍ ام هو سياسة أكثر مما هو علم؟ مع ان المعادلة بسيطة جداً بان اي علم تطبيقي يمكن له ان يصف الاشياء ولكنه لا يستطيع ان يفسر هذه الأشياء، بمعنى انه يمكن لعالم الفيزياء ان يصف لنا كيف تتحرك الشمس لأنه يصف حركة يراها وهذا ما يسمى بالعلم التجريبي وهو ان ما يراه يصدِّق به لذلك يعتمد على المشاهدة وهذه المشاهدة حينما نقول بانه يتحدث عنها نقول انه لا يحللها ولا يستطيع ان يحللها، مثلما يقول هذه الخلية حية وتلك ميتة ولكن لا يستطيع ان يقول لماذا هذه حية وما هي قوة الحياة في داخلها؟ او سر الموت فيها؟ لن يستطيع العالِم التطبيقي والتجريبي ان يتحدث بهذه الامور لان هذه الأمور من المجردات التي تخرج من المختبر ولا يمكن ان تخضع لأدوات البحث التجريبي وانما هي مجردات وافكار عقلية والافكار العقلية لا علاقة لها بالمناهج التجريبية لكن مع ذلك حينما يتحدث دوكنز بناء على ملاحظته عن نظرية دارون او امثالها بان الالحاد هو النتيجة الطبيعية لمثل هذه القضية يكون قد خرج من ميدان البيولوجيا الى ميدان السياسة وميدان الفكر والعقليات مما يخرجه عن الاطار العلمي ليتحدث مثله مثل اي مفكر اخر، لا نريد ان نحكم على هؤلاء ولكن حينما يمارس هؤلاء التزييف العلمي امام طبقة من الجُهّال الذين تأثروا بواقع اجتماعي سيء ففسروا هذا الواقع او جاء لهم من يفسر هذا الواقع ليقول لهم بان الرب لا وجود له، والا كيف حصل الفرق في المعيشة بين الغني والفقير وما الى ذلك ولم يفسر الامر على ان هذا الانسان ظالم او ان هذا الانسان كسول او ذلك الانسان حريص بالطريقة التي اعتدنا على تفسير الأمور فيها وانما يقال لهم الرب لا وجود له والا لو كان الرب موجود لساوى بين هؤلاء البشر، لذلك يفسرون الاحداث بهذه الطريقة بان الظلم يعني عدم وجود الاله وعدم وجود الدين.
هذا الإطار هو الذي تعمل عليه الحرب الناعمة التي تحاول ان تعطي للناس أُطُراً للتحليل لتفضي بالنتيجة الى ان يقعوا ببراثن هؤلاء، فلماذا يريدون ذلك؟ من الواضح ان السبب بسيط جداً فاليوم ما يجري الحديث عنه بأهمية الشباب وموقع الشباب وضرورة الاعتناء بالشباب حديث سليم لكن تجسيد هذا الاهتمام باي طريقة؟ هل بإعداد الشباب على طريقة الاقتداء بشباب اهل البيت صلوات الله عليهم، ام اعداد الشباب اللاهي العابث الذي لا يفكر الا بغرائزه وبطبيعة الأنانية الخاصة به، وحينما يقال له بان الاله غير موجود معناه انه لا توجد هناك اي معوقات او محرمات تمنع من ارتكاب أي عمل، سيحصل انه سيتم اعداد جيل خالي من مصادر القوة، وقوته معتمدة على ما يوجد عند الاخر لان ميزة الدين انه يضيف الى المجتمعات قوة نوعية لا يتمكن الاخر من اضافتها او التغلب عليها، حينما يضيف الدين لقوة المجتمع العوامل المعنوية المرتبطة بالله سبحانه وتعالى يتحول الانسان الضعيف الى اسد هصور نتيجة وجود عامل التقوى الإلهي، هذا العامل الذي جعلنا نرى الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه كيف انه تصدى للنظام المتجبر حيث كان الامريكان يعبِّرون عن ان هذا البلد وطيد الصلة بالنظام الديمقراطي والمتعرّق الجذور واذا بهذا البلد ما بين ليلة وضحاها يصبح عاليه سافله وسافله عاليه، والمشهد المثير هنا ان هذا الرجل الذاهب الى بلاد لازالت بأيدي المجرمين واذا به ينام في الطائرة وكأنه ذاهب الى محل راحة او استجمام مع ان كل المخاطر موجودة هناك، فمن اين يأتي هذا الاطمئنان؟ او حينما نجد السيد السيستاني بهذه الروحية وبهذا العطاء رغم ان كل الظروف تسير بخلافه وبالضد منه، ولو رجعنا بالذاكرة الى ايام رجوعه من رحلته العلاجية في لندن وكيف رجع الى النجف التي كانت مستعصية على قوة الدولة وعلى قوة الامريكان وكان اختلاط المسلحين بأعداء السيد السيستاني ايضاً لوجود عدد كبير جداً جاءوا من المناطق الغربية للاشتراك في معركة النجف لكن الذي حصل ان هذا الرجل دخل بمنتهى الاتزان وبمنتهى الوقار وحل مشكلة كبيرة فسقطت امامه كل الصعاب، نحن نعتقد ان واحدة من الاساليب التي ستتصدى لها الحرب الناعمة هي قصة الامام صلوات الله وسلامه عليه تارة في النكران وفي التحجيم وفي اخراجها عن المسار الاجتماعي
الثوري المؤثر وأحد اهم الاهداف التي سيعملون عليها ليس بالضرورة هو الانكار لانهم لاحظوا ان كل ما عملت عليه الوهابية خلال كل هذه السنين من بث الافكار وما الى ذلك لم تتمكن من زحزحة الشيعة او حتى السنة عن عقيدة الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، لكن حينما نجد مثل تقرير منظمة راند توصي باعتماد الاسلام المتصوف او الاسلام الذي يجلس في المساجد ويقبع في زوايا المعتكفات ويؤكدون على ان ابقاء الناس في داخل المساجد بعيداً عن هموم السياسة وانشغالاتها وما الى ذلك هو افضل الحلول التي يمكن ان تُمنح للتعامل مع الشعوب العربية، هنا لنا ان نفكر في قصص التصوف التي قيدت الى الشيعة - باعتبار لا يوجد تصوف لدى الشيعة - بعنوانه عرفان ويعاد تكريره واخراجه بطريقة جديدة وتقديمه الى الناس بعنوانه عرفاناً يختلف عن تصوف ابن الجنيد و الحلاج وامثال هؤلاء، فيخرجوه من ذلك الاطار في الصورة فقط اما في المحتوى فهو نفسه، فهذا العرفان المتصوف الذي يحاول ان يخرجك من الواقع الاجتماعي لتعيش حالة الترانيم الصوفية وحالة الاهتزازات البدنية وما الى ذلك يحرم المجتمع من قدرتك ومن قوتك، وما يراد من المنتظرين هو ان يحولوا قضية الامام صلوات الله وسلامه عليه من القوة المعنوية الكبرى التي تنطوي عليها وتكتنفها الى حالة من حالات الّا أبالية في الواقع الاجتماعي باعتبار ان المشكلة لا يحلها الا الامام صلوات الله وسلامه عليه وما لم يخرج الامام لا يوجد حل ولا داعي للخوض مع الخائضين في كل ما يجري في هذا البلد، فنخرج من الساحة السياسية والاجتماعية لننزوي في أماكن العبادة وننتظر الامام صلوات الله وسلامه عليه في تلك الأماكن، بينما تعبير الرواية دقيق جداً انه من يستطع ان يعد نبلاً فليفعل، وهنا يجب ان لا يكون فهم الرواية ساذج فالمقصود من اعداد النبل هو اعداد المساحة الاجتماعية لنصرة الامام صلوات الله وسلامه عليه، والحمد لله اولاً واخراً وصلاته وسلامه على رسوله واله ابداً.