محمّد صادق الهاشميّ
مدير مركز العراق للدراسات
نتابع الأخبار لحظة بلحظة، ونحبس الأنفاس عمّا سيؤول إليه المستقبل الدوليّ من منزلقات ومتغيّرات في المحور الروسي وأوربا وأمريكا والصين، ومن المهم أن نؤكّد على مايلي :
أوّلًا: إنّ وجود العمالقة الكبار في حياة الأُمّة الإسلامية وهما الإمام الراحل السيد الخميني(قده) والإمام الخامنئي(دام ظلّه) نعمة كبرى، فحينما تنبّأ الإمام الخمينيّ بسقوط القطب السوفيتي سقوطاً مدوّياً كان بنفس الوقت يحذّر الروس من أن يكونوا فريسة بيد الغرب الذي لايرحم، وقد تحقّقت تلك النبوءة العميقة في سنة ١٩٩١ في زمن الرئيس الأميركي ريغان، واعتقد جازماً أنّ الإمام الخمينيّ برسالته الى غورباتشوف كانت هناك رسالة منه أخرى أهم الى الداخل الإيراني مفادها ضروة الاستعداد للمتغيّرات في المحيط العالميّ حتى يستثمر المسلمون تلك المتغيرات مستقبلا؛ ويكون لهم وجودهم في القادم، سيّما أنّ المنطقة الشرق أوسطية قلب العالم، وفيها يتواجد المسلمون بخيراتهم وآيدولوجيتهم المستقبلية التي تنتهي بظهور الإمام القائم (عج)، وبالفعل سارت إيران بقيادة الإمام الخامنئي جنباً الى جنب مع الدول العظمى ( الصين وروسيا )؛ لتجذير علاقتها بهم وفق المنطق القائم على أساس التعاون الحافظ للسيادة الإسلامية ضد القطب الامريكي، فأُشرِكَ الرّوس في صراع الشام، وتم العمل مع الصين لإيصال خطّ الحرير الى الجغرافيا الإيرانية .
ففي الوقت الذي تربط فيه إيران مصير الأُمّة الإسلامية مع الأقطاب القادمة، لكنّها تعمل على فرض وجودها ومساحتها وسيادتها دون استغلال منهم، بل وفق التوازن والاحترام، سيّما أنّ الدول الكبرى لا تحترم الضعيف،ولا تمنح الهبات بل تتعامل مع الواقع، وبالفعل إنّ القوى العالمية القادمة ترى أنّ مساحة المقاومة والنهضة الإسلامية تمتد من البحر الأسود مروراً بإيران والعراق والشام إلى البحر المتوسط، وهذه جغرافية المقاومة .
ثانياً: ما يحصل اليوم من التحوّلات الكبيرة، وتقدُّم الرّوس الى الصف الأول في قيادة العالم، وكسر إرادة أوربا الصهيونية وأمريكا، وكشف ضعفها كلّها دون أيّ رد وردع وعمل مضاد لمنع التغيير الدولي في ميزان القوة و الذي أوجدَ عالَماً آخرَ لا خليج فيه، ولا إسرائيل ولا أمريكا ولا أوربا في صدّ المتغيرات القادمة؛ وإنّما ثبت أنّ هذه القوى قوًى كارتونيّة على غرار هزيمة عُصبة الأُمم قبل الحرب العالمية الثانية.
لايمكن أن تُفسَّر هذه التحوّلات بأنّها وليدة المرحلة، بل هي نتيجة لتفاعلات طويلة الأمد، وقراءات مخابراتية عميقة من خلالها اكتشف الروس ضعف القطب الغربي، واكتشفت الصين أنّ الفرصة سانحة للسير نحو النهوض الاقتصادي العالمي، بالمقابل القيادة الحكيمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة هي الأُخرى ومن الأوّل أدركت المتغيّرات واستثمرتها بما يحقّق للمقاومة مكانتها ودورها ووجودها كطرفٍ محوريّ مهمّ وليس تبعاً أو فسيلة في المتغيرات الدولية؛بل هي سيّدة القرار من خلال الاستثمار الحكيم؛ ليكون رأيها في القادم وليس هملًا او ذيلا يلتمس المنتصر لاحقاً الرحمة .
فوجود المرجعية في النجف الأشرف، والقيادة في إيران والمقاومة والانتصارات التي تحقّقت في العراق واليمن وسوريا ولبنان تجعل هذا المحور الإسلامي الشيعي محوراً ثالثاً في مستقبل الأقطاب والاستقطاب الدولي القادم، وليس هملًا تتحكّم به وفيه الإرادات الدولية كما فعلت بالأمس حينما تقاسموا النفوذ وفق اتفاقيات ((سان ريمو وسايسكس بيكو)).
المحور الإسلامي المقاوم بقدراته البشرية والتنموية والاقتصادية والجغرافيّة، وزخم انتصاراته وفكره القائم على محور الولاية لايكون إلّا قطباً بين الأقطاب له مكانته وقراره .
هذه هي العقلية العميقة لقادة الولاية، ومن اليوم الأول كان التخطيط منهم راسخاً في الاستثمار حتى لا يُعاد تقسيم النفوذ خارج إرادة القوى الإسلامية والشيعية بنحوٍ خاص كما قلنا .
هكذا يجب أن نقرأ المتغيّرات الحاصلة اليوم وغداً، ومن هنا تظهر الحاجة الماسّة للمسلمين والثوّار والأحرار والأحزاب الإسلاميّة والمفكّرين والقيادات العليا والمرجعيات في تنظيم دورهم استعداداً للمستقبل.