في ظل الدعم العسكري المُفرِط من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا في حربها مع روسيا، بدأت روسيا تُظهِر مزيداً من الإسراف في تصريف قوتها حتى درجة التهديد بالحرب النووية،
على خطى الحرب الروسية الأوكرانية نار البوسنة والهرسك تستعر
في ظل الدعم العسكري المُفرِط من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا في حربها مع روسيا، بدأت روسيا تُظهِر مزيداً من الإسراف في تصريف قوتها حتى درجة التهديد بالحرب النووية، وما دام لا يظهر في الأُفق أيَّ حل للصراع مع اعتراف قادة دول أوروبا بذلك، بل وروسيا وأوكرانيا نفسيْهما، أصبح استخدام أسلحة أخرى أكثر تأثيراً وأجدى في مسار الحرب لا سيمّا من قِبل روسيا.
تُبدِي روسيا تجييشاً لحلفائها الأوروبيين القابعين في منطقة البلقان والذين اتخذوا جانبها، وهم يمثّلون حالةً من الضعف بمكان لا يؤهلهم للاستغناء عن الغاز الروسي؛ مثل المجر وصربيا، وتُعد البوسنة والهرسك كرة نار من الممكن أن تُلقِي بها روسيا في وجه الولايات المتحدة وأوروبا زيادةً لتعقيد المشهد وبعثرةً للأوراق على الطاولة.
العلاقات بين دوديك[عضوٍ في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك الثلاثي منذ قرابة 15 عاماً، ومجلس الرئاسة حالياً مكوّن من: (ميلوراد دوديك ممثلاً للصرب، وجيكو كومشيتش ممثلاً للكروات، وشفيق دجعفروفيتش ممثلاً للبوشناق] وروسيا قوية للغاية، وقد دعا دوديك إلى تمتينها وتوثيقها أكثر من مرة، وقد قال دوديك في تصريح صحفي في نوفمبر / تشرين الماضي عن مدى علاقته مع روسيا: “عندما أذهب إلى بوتين لا أكون بحاجةٍ لتقديم مطالب، بل هو الذي يسألني عما يمكن فعله لمساعدتي، بوتين لم يخذلني قط عندما قدم لي وعوده، وعلى هذا الأساس ثقتي فيه كبيرة”. لم تألُ روسيا جهداً في عرقلة عمل المبعوث الأممي للبوسنة، فضلاً عن التهديدات المتكررة -قبل الحرب- بتعطيل التصويت على تجديد مهام قوات “اليوروفار” في البوسنة ما لم يسحب المبعوث الأممي اتهاماته للمسؤولين الصرب.
تُمعن روسيا في دعم صرب البوسنة فضلاً عن دعمها لجمهورية صربيا رداً على الدعم الأوروبي الأميركي للفيدرالية البوسنية، ولكن التخوُّف الذي يشوب الإقليم بصورةٍ خاصة على إثر ذلك المنوال هو أن يتطاير شرر النار من دونيستك وماريوبول ولوغانسك إلى بانيا لوكا وسراييفو وموستار، ويمتد خط النار من أوكرانيا حتى البوسنة، واضعين في الاعتبار أن دوديك صرّح في أوائل ديسمبر العام الماضي أن خططه للانفصال عن الحكومة المركزية في سراييفو سيتم تنفيذها في ستة أشهر، أي أن الأزمة من المُزمَع اشتعالها ذلك الشهر أو الشهر المقبل بحد أقصى وذلك في ظل عدم انطفاء الحرب بين الروس والأوكران.
اللاعبون الدوليون الذين شكًلوا اتفاقيةً شديدة الهشاشة في دايتون، فضلاً عن اضطلاعهم بكل مُقدرات الشعب البوسني والتحكُّم في مصيره مع صعود دوديك، وشبح الحرب الأهلية الذي يطل برأسه من الماضي، كل ذلك ترجمة فعلية للأوضاع المُزرية في جمهورية البوسنة، فالطبقة السياسية فاشلة لحدٍ بعيد، فضلاً عن الفساد والفشل الإدارييْن الَّذَيْنِ يسودا جهاز الحكم، بالإضافة إلى غياب الرؤية في إدارة الموارد، وانعدام المحاسبة، وتزوير الانتخابات، وشيوع سرقة الأموال العامة، مما صعّد من وتيرة الهجرة ومغادرة البلاد؛ إذ يهاجر ما بين 50 إلى 60 ألف بوسني سنوياً البلاد؛ بحثاً عن حياةٍ سويّة. وفي ظل تلك الظروف ستظل الأزمة البوسنية قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار أو إيجاد حل جذري لها.