مقال مهدوي يتناول مناقسة هاشمية اليماني الموعود للكاتب جعفر البصري
تكتسب شخصية اليماني الموعود أهمّية استثنائية في الوجدان الشيعي خاصة والإسلامي عامة، إذ لم توصف راية من رايات الهدى في عصر الظهور الشريف كما وُصفت راية اليماني بالشكل الذي يجعل المنتظرين جميعاً في شوقٍ إلى الالتحاق برايته المباركة لا على أساس استقلاليتها؛بل على أساس أنّها الدالة على صاحب الزمان (صلوات الله عليه)، وأنّها الراية الوحيدة التي تمتلك الدعوة الخالصة له،ولذلك وغيـــره تلجأ معظم الجهات المنحرفة الى ادّعاء اليمانيّة طلبًا لكسب قلوب المؤمنين وخداعهم،و يدعي أغلب هؤلاء أنّهم من السادة (شرّفهم الله) للإمعان في الخداع والتضليل،وإيهام الناس بمقامات مقدسة لا وجود لها؛بمعنى أنّهم يضيفون الى دعوى يمانيّتهم أنّ اليماني سيكون (سيِّداً هاشميّاً) ومع أنّ بعض الباحثين الأفاضل ممن لا يُشَك بصلاحهم وإخلاصهم يميل إلى أنّ اليماني سيكون سيِّداً هاشميّاً، كما يُلاحَظ نموّ هذا الرأي بين طبقات عديدة من المؤمنين المنتظرين، إلّا أنّ دعوى هاشمية اليماني لم تخضع للبحث الجاد الذي يمكن من خلاله الوصول الى استشرافٍ محدّد تجاه نسب اليماني الموعود.
ويتعين على الباحث في هذه القضية أن يضع نُصب عينيه الطريقة التي وُصِف فيها السفياني والخراساني ليتمكن من إيجاد (المجهول) في شخصية اليماني باعتبار أنّ هؤلاء الثلاثة سيكونون عنواناً لحركة عسكرية واحدة في وقت واحد وفي بلد واحد.
إنّ أولى الملاحظات التي تلفت النظر أنّ التــراث الروائي الشيعي عرَّفَ الخراساني والسفياني على أساس أولاً: الانتماء القبائلي،و ثانياً: الانتماء الجغرافي، وثالثاً: الجهة التي سيقتحم منها الحدود العراقية.
فالسفياني ينتمي الى آل أبي سفيان كما في روايات عديدة وصريحة،وهو رجل من أهل الشام كما في روايات أُخرى وسيقتحم الحدود العراقية من غرب العراق من جهة دير الزور كما في مجموعة ثالثة من الروايات.
والخراساني ينتمي إلى بني هاشم في مجموعة من الروايات، وهو رجلٌ من أهل خراسان كما ورد في رواياتٍ أخرى، وسيقتحم الحدود العراقية من بعض نواحي واسط الشرقية كما في روايات ثالثة.
ويستثنى المنعوت بأهدى الرايات من هذا التوصيف تماماً،فهو اليماني فقط من دون أن تتعرّض المنظومة الروائية الى نسبه،ولا الى الجهة التي سيقتحم منها الحدود العراقية بالشكل الذي يجعلنا أمام تحدٍّ كبيرٍ لفهم مضامين هذا التوصيف.
وبمعزل عن إشكالية من أين سيخرج اليماني (وهي الإشكالية التي أُشبعت بحثاً وتحليلًا من قبل الأفاضل الباحثين في القضية المهدوية)، يتعين علينا أن نفكر في دعوى انتساب اليماني الى بني هاشم كما تدعيها غالبية أو ربّما كلّ الحركات المنحرفة، لا أقل التي سمعنا عنها و المرتبطة بأجهزة المخابرات المعادية.
ويأتي البحث هنا عن أيّة قرائن يمكن أن تدلّنا على (هاشمية اليماني من عدمها) وليس أمامنا في هذا المجال إلّا العودة الى المعنى اللّغوي والاصطلاحي لكلمة (اليماني) والتي تعني الانتساب الى اليمن،لكنّ المشكلة أنّ الانتساب الى اليمن يمكن أن يشير الى عدّة معان، فهل هو الانتساب المناطقي؟ إذ من المؤكَّد أن كلّ من يعيش في اليمن يسمى يمانيّاً، لكن الدلالة ستكون غيـــــر تامة عند ذاك وسيبقى توصيف اليماني منقوصاً،بخلاف توصيف الخراساني والسفياني،إذ أنّ من يسكن اليمن اليوم عشائر وقبائل متعددة ومنهم من هو يماني نَسَبَاً، ومنهم من استوطن اليمن من مناطق أخرى، فليس كلّ من سكن اليمن سُمّي يمانيّاً ما لم تُضَاف لها جهة النسب الواحد الذي يجمع كلّ أهل اليمن.
يسمى أهل اليمن (قحطانيون) وهم كل من ينتسب الى قحطان اليماني (عاش بحدود الفتـرة 2000 قبل الميلاد) وقحطان هذا هو من استوطن اليمن واصبح ملكًا عليها،وهو ابو (يعرب) الجد الجامع للعرب العاربة،ولذلك يقال عن اليمن أنّهم أوّل من نطق العربية الفصيحة،وتنتشر القبائل اليمانية اليوم في اليمن بصورة أساس وفي بقية حواضر العالم الإسلامي كالعراق والحجاز والشام وغرب آسيا وإفريقيا،فكلّ يماني هو قحطاني يعود نسبه الى قحطان (بن عابر كما هو المشهور)، والى جانب العرب اليمانيون هناك الفرع الثاني من العرب وهم (الحجازيون العدنانيون) ويسمَّون بالعرب المستعربة،وهم كلّ من ينتسب الى عدنان الجد الأعلى للرسول الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهؤلاء استوطنوا الحجاز (مكة وما حولها) منذ عهد اسماعيل ابن ابراهيم (عليهما السلام) فبنو هاشم وقريش كلّهم (عدنانيون حجازيون) ولذلك لا يصح أن يُطلَق على أي هاشمي بأنّه يمانيّ، وكلّ السادة (شرّفهم الله عزّ وجل) لا يصح أن يُطلَق عليهم أنهم يمانيون حتى لو سكنوا اليمن واستوطنوا فيها.
من حيث النتيجة يمكن أن نستشرف أنّ اليماني يجب أن يكون قحطاني العمود النسبي ولا يمكن ــ والحال هذه ــ أن يكون اليماني (سيِّداً هاشميّاً) لكون السادة الهاشميون هم من أهل الحجاز، وأنّ دعوى هاشمية اليماني ساقطة عن الاعتبار بالضرورة وتثبت كذب المدّعي والمتقمّص لهذه الشخصية المباركة.
اللّهم عجل لوليِّك الفرج والعافية والنصر