إنّ تخلّف الوعي الشيعي وتهاون جمهور الشيعة في متابعة قضية الامام المهدي (عج) ورصد علامات ظهوره، سيكون أحد الأسباب الأساسية في تقييد رايات الهدى وتمكين السفياني من احتلال بغداد والوصول الى النجف الاشرف.
عن جابر الجعفي قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : (يا جابر الزم الأرض ولا تُحرِّك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك… الخ ) [١]
إذا كانت الدراسات الإسلامية تنطلق دائماً من منطلقات رسالية لتربية الفرد والمجتمع بمفاهيم الإسلام وقيمه بهدف تحصين الأُمّة بالوعي الديني لإبعادها عن مخاطر الانحراف في مختلف ميادين الحياة؛فإنّ ثقافة علامات الظهور تكون في طليعة الفكر الإسلامي التربوي الهادف باعتبارها تمثّل في نصوصها الغيبية لافتات تحذير إلهية تشير إلى مناهج الضلال ورموزه وراياته، كما أنّها في الوقت ذاته ترسم في كلِّ عصر معالم الطريق الإلهية المؤدية إلى خط الهدى،وهذا الدور الإيجابي للعلامات يؤكده المعنى اللّغوي والاصطلاحي لها،فهي في اللُّغة : الأثر الذي يعلم به الشيء ، أو ما يُنصَب على الطريق من إشارات ليهتدي بها السائرون،ومنه قوله تعالى :((وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)) النحل: ١٦
والعلامات في الاصطلاح هي : كلُّ حَدَثٍ دلَّ الخبرُ الغيبيّ على وقوعه في المستقبل باعتباره من دلائل قرب ظهور الإمام المنتظر (أرواحنا لمقدمه الفداء)، وفي هذا الإطار حدَّد الإمام الصادق (ع) مكانة علامات الظهور في الثقافة الاسلامية،حيث قال : (إنَّ قُدَّام المهدي علامات تكون من الله عزَّ وجل للمؤمنين)[٢]
فالعلامات دلائل غيبية كلّها من الله تعالى، ولم يكن لرسول الله (صلّى اللّه عليه وآله) وأهل بيته الأطهار دور فيها إلّا بمقدار إيصالها للأُمّة، وهي دلائل وضعها الله تعالى لهداية المؤمنين إلى طريق الحق وصيانتهم من الوقوع في الفتن.
ومن خلال التأمّل بمضامينها أنّها تستهدف أمرين: الأول : تحذيري للأُمّة وتنبيهها إلى كلّ ما يواجهها في المستقبل من رايات الضلال، والانحرافات العقائدية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية قبل الظهور الشريف، والثاني: تبشيري بخروج رايات الهدى كاليماني ــ والذي هو أهدى الرايات ــ وراية الهدى الخراسانية وباقي رايات الهدى مع التأكيد على وجوب الالتفاف حولها ونصرتها ودعمها وإسنادها، فعن الإمام الكاظم ( ع ) : (يخرجُ رجلٌ من قم، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قومٌ قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، لا يملّون من الحرب، ولا يُجبَنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين)[٣]
وكذا الرواية المشهورة عن الإمام الباقر( عليه السلام) فيما يخص الالتفاف حول قيادة اليماني الموعود حيث قال: (….. وليس في الرايات رايةٌ أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنّه يدعو إلى صاحبكم،فإذا خرج اليماني حرّم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم،وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدى،ولا يحِلُّ لمسلمٍ أن يلتوي عليه،فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنّه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)[٤]
وفي إطار هذين البعدين، تمتد الآثار التربوية لثقافة العلامات في تأريخ الأمة منذ وفاة رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله) حتى ظهور ولده الإمام المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفدا)، وهو ما يفسّر لنا اهتمام أهل البيت بها، وكثرة صدورها واستفاضتها عنهم باعتبارها مَعلماً فكريّاً مُهمّاً في منهج الإسلام التربوي لتحصين الأُمّة من عوامل الضلال والانحراف ، وتوجيهها إلى طريق الحق والهدى في عصور غياب الإسلام الأصيل عن قيادة الحياة،ولهذا دعا الشارع المقدّس إلى ضرورة معرفة علامات الظهور المعنية بوصف أحداث المستقبل قبل أن يتورّط المكلَّف بحوادثها وعواملها الانحرافية على أرض الواقع، ففي الأثر عن النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ : (هذه فتنٌ قد أطلّت كجباه البقر، يهلك فيها أكثر الناس إلّا من كان يعرفها قبل ذلك)[٥]
وفي حديث الإمام الصادق ( ع ) لهشام بن سالم حول الصيحة من السماء قال :(هما صيحتان: صيحةٌ في أوّل الليل، وصيحةٌ في آخر الليلة الثانية،فقلتُ : كيف ذلك ؟ فقال : واحدة من السماء ، وواحدة من إبليس فقلت : كيف نعرف هذه من هذه ؟ فقال : يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون)[٦]
وسأل زرارة الإمام الصادق (ع ) عن الصيحة ومن يعرف الصادق من الكاذب ؟ فقال : (يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا،ويقولون إنّه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون)[٧]
فهذه الأحاديث لا تقتصر على توجيه المكلَّف إلى ضرورة معرفة ثقافة العلامات قبل زمان وقوعها والاطلاع عليها؛بل تؤكد أيضاً أنّ على العلماء و الفقهاء والمتخصِّصين دراستها دراسة علمية وبثّها إلى الناس.
لقد استفاضت الأخبار وبطرقٍ عديدة حول خروج رايات ضلال كثيرة قبل الظهور، ومن هذه الأخبار ما جاء عن الإمام الصادق ( ع ) أنه قال :(لترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُعرَف أيٍّ من أيّ)[٨]
وفي رواية عن الإمام الباقر ( ع ) قال :( لا يخرج القائم حتى يخرج قبله إثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه)[٩]
وهنا نسأل القائلين بالاهتمام فقط بالعلامات الحتمية الخمس ، وبعدم جدوى دراسة ومعرفة العلامات غير الحتمية قبل وقوعها كيف لنا أن نتجنّب السقوط أو الانخراط في تيارات أصحاب هذه الرايات الضالّة والمنحرفة التي ذكرها الأئمة (عليهم السلام) في هذه الأحاديث، وكيف نميّز بينها وبين رايات الهدى المعاصرة لها ؟ ومن ثَمّ كيف نفرّق بينها وبين راية الإمام المنتظر (ع)إذا لم نستوعب أوصافها ودلائلها وأسماء قادتها والظروف التأريخية لظهورها وأهدافها ومبادئها، وغير ذلك من الأمور التي تكشف حقيقتها ممّا هو من اختصاص ثقافة العلامات.
يقول العلّامة الفاضل الشيخ جلال الدين الصغير ــ حفظه الله ــ في الرد على من يروّج بأنّ العلامات لاداعي لتتبّعها : (ليس الغرض من تتبُّع العلامات هو ظهور الإمام ـ روحي فداه ـ فالظهور أمرٌ متعلّق به ـ صلوات الله عليه ـ وليس بمتتبّعي العلامات، ولكن التتبّع متعلّق بأنصار الإمام ـ روحي فداه ـ وطبيعة استعداداتهم وتحديد مساراتهم، فإن ظهر ـ بأبي وأُمّي ـ ونحن لا استعداد لنا ولا نعرف ما هي ظروف خروجه وما هي طبيعة أيّام هذا الظهور وسط أجواء الأدعياء وكثرتهم، فهل ستدلّنا بصيرتنا عليه؟وقد عمدنا سلفاً الى أن نبقيها في خمولٍ؛ بل في عَمَهٍ؟بِحُجّة أن الإمام ــ عليه السلام ــ سيظهر بدون حاجة منا للاستعداد! وكان الأحرى بهؤلاء أن يتساءلوا إن كان الامر كذلك فلماذا إذن تحدّث أهل البيت ـ عليهم السلام ـ بهذا الحديث الواسع عن العلامات؟)[١٠]
إنّ كل من يدعو إلى تجاهل دور العلامات في تحصين الأمة من مخططات الشيطان الأكبر والماسونية والاستكبار العالمي، أعداء الإمام المهدي لهو شريكٌ في تجهيل المجتمع،ويشارك في وقوع الكثير من أبناءنا وشبابنا في شِراك وفخاخ أصحاب الفكر المنحرف، وواقعاً لولا الجهل بثقافة العلامات لما رأينا رواجاً لأدعياء المهدوية المنافقين أمثال ابن گاطع مدّعي اليماني والمولوية وغيرهم من الحركات المهدوية الهدّامة المنحرفة صنيعة الماسونية وأعداء المهدي المنتظر
إنّ محاولة تجهيل الأُمّة بأهمية ثقافة العلامات وأثرها في بثّ روح الأمل في نفوس المنتظرين، وعدم الالتفات إلى دورها في تحصين حركة الانتظار من الانحرافات لهي محاولة خطيرة تستهدف نسف مفهوم الانتظار من خلال الإطاحة بأهمِّ ركائزه ومقوّماته الموضوعية المتجسّدة بمعرفة العلامات (كما أوضحنا ذلك في ضوء معناها اللغوي والاصطلاحي)، فإذا تجاهلنا دور معرفة العلامات في حركة الانتظار والتمهيد التغييرية في الأمة نكون قد أفرغنا مفهوم الانتظار من معناه الحقيقي، وإذا لم يكن للعلامات أيّ دور إيجابي في حياتنا الإيمانية والسياسية والجهادية والاجتماعية في عصر الغيبة الكبرى، فإنّ أهداف القرآن وأهداف الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) التي جاءت في آلاف النصوص الغيبية التي تكشف حوادث المستقبل تبقى سؤالًا بحاجة إلى جواب .
وبهذا البيان والتساؤلات نختم الكلام عن خطورة تجاهل ثقافة العلامات، وفي ضوئه يسقط من ميزان العلم والاعتبار الادّعاء الذي وصف هذا اللّون من الفكر والثقافة الإسلامية بالعلم الذي لا ينفع مَن عَلِمَه،ولا يضرُّ مَن جَهِلَهُ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصادر
١- الاختصاص للشيخ المفيد ص ٢٦٧
٢- كمال الدين ص ٦٤٩
٣- بحار الأنوار: ج ٦٠ ص ٢١٦
٤- الغَيبة للشيخ النعماني ص ٢٦٤
٥- عقد الدرر ص ٣٣٣
٦- الغيبة للشيخ النعماني ص ٢٧٤
٧- مكيال المكارم: ج٢ ص ١٧٣
٨- الغيبة للشيخ الطوسي ص ٣٦٦
٩- الإرشاد للشيخ المفيد: ج٢ ص٣٧٢
١٠- الموقع الإلكتروني